فصل: فصل رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ لِوَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ لِوَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَنَادَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا: جِئْنَا لِنُفَاخِرَك فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا قَالَ نَعَمْ قَدْ أَذِنْتُ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُمْ فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا الّذِي لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا وَاَلّذِي وَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا وَأَيْسَرَهُ عُدّةً فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النّاسِ؟ أَلَسْنَا رُءُوسَ النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعِدّ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا فَلَوْ شِئْنَا لَأَكْثَرْنَا مِنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا أَوْ أَمْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا ثُمّ جَلَسَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ: قُمْ فَأَجِبْهُ فَقَامَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ وَوَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ ثُمّ كَانَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا أَكْرَمَهُ نَسَبًا وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَكَانَ خِيرَةَ اللّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ثُمّ دَعَا النّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِاَللّهِ فَآمَنَ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ ذَوِي رَحَمِهِ أَكْرَمُ النّاسِ أَحْسَابًا وَأَحْسَنُهُمْ وُجُوهًا وَخَيْرُ النّاسِ فِعْلًا ثُمّ كَانَ أَوّلَ الْخَلْقِ إجَابَةً وَاسْتِجَابَةً لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُقَاتِلُ النّاسَ حَتّى يُؤْمِنُوا فَمَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مَالَهُ وَدَمَهُ وَمَنْ نَكَثَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللّهِ أَبَدًا وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا أَقُولُ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ الْعَظِيمَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ ثُمّ ذَكَرَ قِيَامَ الزّبْرِقَانِ وَإِنْشَادَهُ وَجَوَابَ حَسّانَ لَهُ بِالْأَبْيَاتِ الْمُتَقَدّمَةِ فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ إنّ هَذَا الرّجُلَ خَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا وَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا وَأَقْوَالُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَقْوَالِنَا ثُمّ أَجَازَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ.

.فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سَرِيّةِ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ حديدة إلَى خَثْعَمٍ:

وَكَانَتْ فِي صَفَرَ سَنَةَ تِسْعٍ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرٍ فِي عِشْرِينَ رَجُلًا إلَى حَيّ مِنْ خَثْعَمٍ بِنَاحِيَةِ تَبَالَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ فَخَرَجُوا عَلَى عَشَرَةِ أَبْعِرَةٍ يَعْتَقِبُونَهَا فَأَخَذُوا رَجُلًا فَسَأَلُوهُ فَاسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْحَاضِرَةِ وَيُحَذّرُهُمْ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ ثُمّ أَقَامُوا حَتّى نَامَ الْحَاضِرَةُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مَنْ قَتَلَ وَسَاقُوا النّعَمَ وَالنّسَاءَ وَالشّاءَ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِي الْقِصّةِ أَنّهُ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ وَرَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ فَأَرْسَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ سَيْلًا عَظِيمًا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ وَالسّبْيَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَعْبُرُوا إلَيْهِمْ حَتّى غَابُوا عَنْهُمْ.

.فَصْلٌ ذِكْرُ سَرِيّةِ الضّحّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ إلَى بَنِي كِلَابٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ:

قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَيْشًا إلَى بَنِي كِلَابٍ وَعَلَيْهِمْ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَوْفٍ الطّائِيّ وَمَعَهُ الْأَصْيَدُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَقُوهُمْ بِالزّجّ زُجّ لَاوَةَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ فَلَحِقَ الْأَصْيَدُ أَبَاهُ سَلَمَةُ وَسَلَمَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي غَدِيرٍ بِالزّجّ فَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ فَسَبّهُ وَسَبّ دِينَهُ فَضَرَبَ الْأَصْيَدُ عُرْقُوبَيْ فَرَسِ أَبِيهِ فَلَمّا وَقَعَ الْفَرَسُ عَلَى عُرْقُوبَيْهِ ارْتَكَزَ سَلَمَةُ عَلَى الرّمْحِ فِي الْمَاءِ ثُمّ اسْتَمْسَكَ حَتّى جَاءَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ ابْنُهُ.

.فَصْلٌ ذِكْرُ سَرِيّةِ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ إلَى الْحَبَشَةِ سَنَةَ تِسْعٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَر:

قَالُوا: فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ نَاسًا مِنْ الْحَبَشَةِ تَرَايَاهُمْ أَهْلُ جَدّةَ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ فَانْتَهَى إلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ خَاضَ إلَيْهِمْ الْبَحْرُ فَهَرَبُوا مِنْهُ فَلَمّا رَجَعَ تَعَجّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ إلَى أَهْلِيهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَتَعَجّلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ فَأَمّرَهُ عَلَى مَنْ تَعَجّلَ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ فَنَزَلُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ وَأَوْقَدُوا نَارًا يَصْطَلُونَ عَلَيْهَا فَقَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ إلّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النّارِ فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَتَجَهّزُوا حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا فَقَالَ اجْلِسُوا إنّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تُطِيعُوهُ قُلْت: فِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا فَأَغْضَبُوهُ فَقَالَ اجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا ثُمّ قَالَ أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ فَادْخُلُوهَا فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: إنّمَا فَرَرْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ النّارِ فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتّى سَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتْ النّارُ فَلَمّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا وَقَالَ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ إنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوف فَهَذَا فِيهِ أَنّ الْأَمِيرَ كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي أَمَرَهُ وَأَنّ الْغَضَبَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النّسَاءُ 99] قَالَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَرِيّةٍ فَإِمّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عَلِيّ هُوَ الْمَحْفُوظَ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سَرِيّةِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى صَنَمِ طَيّئٍ لِيَهْدِمَهُ فِي هَذِهِ السّنَةِ:

.قِصّةُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ الطّائِيّ:

قَالُوا: وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ لِوَاءٌ أَبْيَضُ إلَى الْفُلُسِ وَهُوَ صَنَمُ طَيّئٍ لِيَهْدِمَهُ فَشَنّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحَلّةِ آلِ حَاتِمٍ مَعَ الْفَجْرِ فَهَدَمُوهُ وَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالشّاءِ وَفِي السّبْيِ أُخْتُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ وَهَرَبَ عَدِيّ إلَى الشّامِ وَوَجَدُوا فِي خِزَانَتِهِ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ وَثَلَاثَةَ أَدْرَاعٍ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى السّبْيِ أَبَا قَتَادَةَ وَعَلَى الْمَاشِيَةِ وَالرّثّةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ فِي الطّرِيقِ وَعَزَلَ الصّفِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَقْسِمْ عَلَى آلِ حَاتِمٍ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ: مَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي حِينَ سَمِعْتُ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت امْرَءًا شَرِيفًا وَكُنْت نَصْرَانِيّا وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ وَكُنْت فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ وَكُنْت مَلِكًا فِي قَوْمِي فَلَمّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرِهْته فَقُلْت لِغُلَامٍ عَرَبِيّ كَانَ لِي وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَك اُعْدُدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا فَاحْبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشٍ لِمُحَمّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي فَفَعَلَ ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ يَا عَدِيّ مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ فَإِنّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ قَالَ فَقُلْت: فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي فَقَرّبَهَا فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي ثُمّ قُلْت: أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ وَخَلّفْتُ بِنْتًا لِحَاتِمٍ فِي الْحَاضِرَةِ فَلَمّا قَدِمَتْ الشّامَ أَقَمْت بِهَا وَتَحَالَفَنِي خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابَتْ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئٍ وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ غَابَ الْوَافِدُ وَانْقَطَعَ الْوَالِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ فَمُنّ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك قَالَ مَنْ وَافِدُك؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ الّذِي فَرّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ فَمُنّ عَلَيّ. قَالَ فَلَمّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إلَى جَنْبِهِ يَرَى أَنّهُ عَلِيّ قَالَ سَلِيهِ الْحَمْلَانِ قَالَتْ فَسَأَلْته فَأَمَرَ لَهَا بِه قَالَ عَدِيّ فَأَتَتْنِي أُخْتِي فَقَالَتْ لَقَدْ فَعَلَ فِعْلَةً مَا كَانَ أَبُوك يَفْعَلُهَا ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ. قَالَ عَدِيّ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ فَلَمّا دُفِعْتُ إلَيْهِ أَخَذَ بِيَدَيّ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ إنّي أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللّهُ يَدَهُ فِي يَدِي قَالَ فَقَامَ لِي فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيّ فَقَالَا: إنّ لَنَا إلَيْكَ حَاجَةً فَقَامَ مَعَهُمَا حَتّى قَضَى حَاجَتَهُمَا ثُمّ أَخَذَ بِيَدَيّ حَتّى أَتَى دَارَهُ فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ مَا يُفِرّكَ أَيُفِرّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ فَهَلْ تَعْلَمُ مَنْ إلَهٍ سِوَى اللّهِ؟ قَالَ قُلْت: لَا. قَالَ ثُمّ تَكَلّمَ سَاعَةً ثُمّ قَالَ إنّمَا تَفِرّ أَنْ يُقَالَ اللّهُ أَكْبَرُ وَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللّهِ؟ قَالَ قُلْت: لَا. قَالَ فَإِنّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنّ النّصَارَى ضَالّونَ قَالَ فَقُلْت: إنّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ. قَالَ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ يَنْبَسِطُ فَرَحًا. قَالَ ثُمّ أَمَرَنِي فَأَنْزَلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَجَعَلْت أَغْشَاهُ آتِيهِ طَرَفَيْ النّهَارِ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ جَاءَ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنْ الصّوفِ مِنْ هَذِهِ النّمَارِ قَالَ فَصَلّى وَقَامَ فَحَثّ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ ارْضَخُوا مِنْ الْفَضْلِ وَلَوْ بِصَاعٍ وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بِقَبْضَةٍ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ أَوْ النّارَ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ فَإِنّ أَحَدَكُمْ لَاقِي اللّهَ وَقَائِلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَيَقُولُ بَلَى حَرّ جَهَنّمَ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ فَإِنّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْفَاقَةَ فَإِنّ اللّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتّى تَسِيرَ الظّعِينَةُ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحَيْرَةِ وَأَكْثَرَ مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيّتِهَا السّرَقَ قَالَ نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيّئٍ.

.فَصْلٌ ذِكْرُ قِصّةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

وَكَانَتْ فِيمَا بَيْنَ رُجُوعِهِ مِنْ الطّائِفِ وَغَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكّةَ مِمّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ ابْنُ الزّبَعْرَى وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ فَإِنْ كَانَتْ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا مُسْلِمًا وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِك كَعْبٌ قَدْ قَالَ:
أَلَا أَبْلِغَا عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ ** لَكَ فِيمَا قُلْتَ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا

فَبَيّنْ لَنَا إنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفَاعِلٍ ** عَلَى أَيّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلّكَا

عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا ** عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْتُ بِآسِفٍ ** وَلَا قَائِلٍ إمّا عَثَرْتَ لَعًا لَكَا

سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً ** فَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلّكَا

قَالَ وَبُعِثَ بِهَا إلَى بُجَيْرٍ فَلَمّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْشَدَهُ إيّاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَاكَ الْمَأْمُونُ صَدَقَ وَإِنّهُ لَكَذُوبٌ أَنَا الْمَأْمُونُ وَلَمّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ فَقَالَ أَجَلْ. قَالَ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمّه ثُمّ قَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ:
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَكَ فِي الّتِي ** تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا وَهِيَ أَحْزَمُ

إلَى اللّهِ لَا الْعُزّى وَلَا اللّاتِ وَحْدَهُ ** فَتَنْجُو إذَا كَانَ النّجَاءُ وَتَسْلَمُ

لَدَى يَوْمَ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ ** مِنْ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ

فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ ** وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَيّ مُحَرّمُ

فَلَمّا بَلَغَ كَعْبًا الْكِتَابَ ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَرْجَفَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي حَاضِرِهِ مِنْ عَدُوّهِ فَقَالَ هُوَ مَقْتُولٌ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بُدّا قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَكَرَ خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوّهِ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ كَمَا ذُكِرَ لِي فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ صَلّى الصّبْحُ فَصَلّى مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ أَشَارَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ فَقُمْ إلَيْهِ فَاسْتَأْمِنْهُ فَذُكِرَ لِي أَنّهُ قَامَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَلَسَ إلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَك تَائِبًا مُسْلِمًا فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ. قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي وَعَدُوّ اللّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعْهُ عَنْكُ فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا عَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَالَ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا بِخَيْرٍ فَقَالَ قَصِيدَتَهُ اللّامِيّةَ الّتِي يَصِفُ فِيهَا مَحْبُوبَتَهُ وَنَاقَتَهُ الّتِي أَوّلُهَا:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ** مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

يَسْعَى الْغُوَاةُ جَنَابَيْهَا وَقَوْلُهُمْ ** إنّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

وَقَالَ كُلّ صَدِيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ ** لَا أُلْهِيَنّكَ إنّي عَنْكَ مَشْغُولُ

فَقُلْتُ خَلّوا طَرِيقِي لَا أَبَا لَكُمْ ** فَكُلّ مَا قَدّرَ الرّحْمَنُ مَفْعُولُ

كُلّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ** يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ

نُبّئْتُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ أَوْعَدَنِي ** وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ مَأْمُولُ

مَهْلًا هَدَاكَ الّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْ ** قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظُ وَتَفْصِيلُ

لَا تَأْخُذَنّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ** أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِيّ الْأَقَاوِيلُ

لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ أَرَى ** وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ

لَظَلّ تُرْعَدُ مِنْ خَوْفٍ بَوَادِرُهُ إنْ ** لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ تَنْوِيلُ

حَتّى وَضَعْتُ يَمِينِي مَا أُنَازِعُهَا فِي** كَفّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيل

فَلَهْوَ أَخْوَفُ عِنْدِي إذْ أُكَلّمُهُ ** وَقِيلَ إنّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ

مِنْ ضَيْغَمٍ بِضَرّاءِ الْأَرْضِ مُخْدَرُهُ ** فِي بَطْنِ عَثّرَ غَيْلٌ دُونَهُ غَيْلُ

يَغْدُو فَيُلْحِمُ ضِرْغَامَيْنِ عَيْشُهُمَا ** لَحْمٌ مِنْ النّاسِ مَعْفُورٌ خَرَادِيلُ

إذَا يُسَاوِرُ قِرْنًا لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ ** يَتْرُكَ الْقَرْنَ إلّا وَهُوَ مَفْلُولُ

مِنْهُ تَظَلّ سِبَاعُ الْجَوّ نَافِرَةً ** وَلَا تَمَشّى بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ

وَلَا يَزَالُ بِوَادِيهِ أَخُو ثِقَة ** مُضَرّجُ الْبَزّ وَالدّرْسَانِ مَأْكُولُ

إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ** مُهَنّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ مَسْلُولُ

فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ** بِبَطْنِ مَكّةَ لَمّا أَسْلَمُوا زُولُوا

زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ ** عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ** ضَرْبٌ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ

شُمّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ مِنْ ** نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكّتْ لَهَا حَلَقٌ ** كَأَنّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ

لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمْ ** قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إذَا نِيلُوا

لَا يَقَعُ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهِمُ وَمَا ** لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: فَلَمّا قَالَ كَعْبٌ: إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ وَإِنّمَا عَنَى مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمّا كَانَ صَاحِبُنَا صُنِعَ بِهِ مَا صُنِعَ وَخَصّ الْمُهَاجِرِينَ بِمِدْحَتِهِ غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ فِي قَصِيدَتِهِ الّتِي يَقُولُ فِيهَا:
مَنْ سَرّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ ** فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ

وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ** إنّ الْخِيَارَ هُمْ بَنُو الْأَخْيَار

الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ ** يَوْمَ الْهِيَاجِ وَسَطْوَةِ الْجَبّارِ

وَالذّائِدِينَ النّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ** بِالْمَشْرَفِيّ وَبِالْقَنَا الْخَطّارِ

وَالْبَائِعِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ ** لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وَكِرَارِ

يَتَطَهّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ ** بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنْ الْكُفّارِ

وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إلَيْهِمْ ** أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الْأَعْفَار

قَوْمٌ إذَا خَوَتْ النّجُومُ فَإِنّهُمْ ** لِلطّارِقِينَ النّازِلِينَ مَقَارِي

وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ مِنْ فُحُولِ الشّعَرَاءِ هُوَ وَأَبُوهُ وَابْنُهُ عُقْبَةُ وَابْنُ ابْنِهِ الْعَوّامُ بْنُ عُقْبَةَ وَمِمّا يُسْتَحْسَنُ لِكَعْبٍ قَوْلُهُ:
لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأَعْجَبَنِي ** سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ

يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا ** فَالنّفْسُ وَاحِدَةٌ وَالْهَمّ مُنْتَشِرُ

وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ ** لَا تَنْتَهِي الْعَيْنُ حَتّى يَنْتَهِيَ الْأَثَرُ

وَمِمّا يُسْتَحْسَنُ لَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:
تُحْدَى بِهِ النّاقَةُ الْأَدْمَاءُ مُعْتَجِرًا ** لِلْبُرْدِ كَالْبَدْرِ جُلّيَ لَيْلَةَ الظّلْمِ

فَفِي عِطَافَيْهِ أَوْ أَثْنَاءِ بُرْدَتِهِ ** مَا يَعْلَمُ اللّهُ مِنْ دِينٍ وَمِنْ كَرَمِ